ليس هناك أي ثقة فيما تقدمه إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة من مقترحات بشأن غزة، وحتى لو كانت تحت عباءة "الإنسانية"، والتي ستظل كلمة مضللة على طول الخط، وبسببها راح المئات بل الآلاف من الشهداء الفلسطينيين، الباحثين عن لقيمات لسد رمقهم، تحت الحصار والنيران.
وأحدث ما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم، يأتي من خلال "التعطيش"، وهي جريمة جديدة تضاف إلى جرائم الصهاينة المحتلين، والتي تمثلت في تدمير أكثر من 720 بئراً بفعل فاعل، وفي الوقت نفسه تقوم قوات الكيان الصهيوني باستهداف الباحثين عن قطرة مياه في طوابير طويلة، وتطلق عليهم النيران، ووفقاً لبيانات المكتب الإعلامي الفلسطيني، فقد استشهد 700 فلسطيني في طوابير المياه، في 112 مجزرة، والعدد الأكبر منهم أطفال.
جريمة "التعطيش" ليست إلا جزءا من جرائم يرتكبها الكيان المحتل، مع قيام المتطرفين بقطع الطرق أمام قوافل المساعدات المتجهة إلى غزة، وهو ما يمثل جرائم حرب دولية، وهو الأمر الذي يتطلب تدخل المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.
ولا يمكن تبرئة المجتمع الدولي من الصمت على تلك الجرائم، وكذلك العديد من الأطراف الدولية، مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والتي وفق الرؤية الفلسطينية، متواطئة مع الكيان الصهيوني المحتل.
وجرائم الصهاينة لا تتوقف، وليس لها حدود، سواء داخل غزة والضفة، وفي سوريا والعراق ولبنان، بل لا استبعد وجود دور رئيسي لما يجري في السويداء بسوريا، بين الدروز والبدو، من خلال ما توفره من سلاح للفصائل المتقاتلة على الأرض السورية، بل وصل بها الأمر إلى القاء البالونات الحرارية على السويداء وهو ما يؤكد الدور الصهيوني في الأحداث.
ونتذكر هنا قيام القوات الإسرائيلية في شهر أبريل الماضي بشن غارات جوية على سوريا مع تحذير دمشق من المساس بأبناء الطائفة الدرزية، وهذا دليل على أصابع الصهاينة في أي حدث يقع في سوريا، مع بوادر التطبيع الدرزي مع الكيان المحتل.
ونوضح هنا أن من بين مليون درزي 700 ألف يقطنون سوريا، ومعظمهم في الجنوب السوري، ومحافظة السويداء هي مقر تواجدهم الرئيسي، إلى جانب تواجد في مدينتي "جرمانا" و"صحنايا" بالقرب من دمشق، بخلاف إدلب، شمال غرب سوريا، وباقي المليون درزي في هذه المنطقة، يعيشون في مناطق جبلية بلبنان والأردن وفي والأراضي الفلسطينية.
الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من حالة الفراغ الأمني والدفاعي السوري، وتعمل على تغذية أي صراع طائفي، وينفخ في أي نيران، ويبخ سمومه فيها، بل تغذي بطرق مختلفة حالة غياب مؤسسات الدولة؛ خاصة العسكرية والأمنية، التي تجلت في أحداث السويداء.
وحسب وصف وزير الداخلية السوري "أنس خطاب" في تغريدة عبر منصة (إكس)، فإن غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة، ولا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها"، ولكن هل ستترك إسرائيل للسوريين تحديد مصيرهم؟ .. أشك كثيرا، فهي لا تريد مقتل 40 سورياً، بل تريد المئات والآلاف، وصراع طائفي مستمر.
واليوم تأتي جريمة جديدة يتم غزل خيوطها، تحت اسم إقامة مدينة إنسانية في رفح جنوب قطاع غزة، وهي جريمة لا يمكن السكوت عليها، في ظل مخاوف من أن تكون البداية لتهجير سكان شمال ووسط غزة إلى الجنوب، ومحاصرتهم في مكان ضيق، لتهجيرهم إلى مناطق أخرى.
الخطر من هذه مشروع المدينة الإنسانية المزعومة، ليس على الفلسطينيين فقط، بل يمتد على مصر والأردن، ويرى المتابعون أنها الوسيلة للكيان المحتل، بهدف تجميع الفلسطينيين في منطقة تحت سيطرة قوات الاحتلال، وليسهل تهجيرهم، حيث تستهدف المدينة استيعاب 600 ألف شخص في مرحلتها الأولى، على أن تقام على أنقاض رفح.
الرفض المطلق لأي محاولات من حكومة الكيان الصهيوني يجب أن يكون الأساس للموقف العربي والمصري بصفة خاصة، خصوصاً انها تمثل خطراً على أمن مصر القومي، وتتعارض مع الموقف الرسمي للدولة الرافض لكل اشكال ومحاولات التهجير، والتي تصل إلى التطهير العرقي من خلال هذا المشروع الصهيوني، والذي يلقى دعماً من رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وحكومته، في ظل رفضها للانسحاب من قطاع غزة.
وبالفعل فإن مشروع المدينة الإنسانية، هو مخطط ضد الإنسانية، وليس للإنسانية، بل الطريق إلى نحو الإبادة الجماعية، وأي حديث غير ذلك هو مجرد تبيض لجرائم صهيونية، يتم التخطيط لها ضد الفلسطينيين.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري